Facebook Twitter Addthis

التصنيفات » الإصدارات » الموسوعة الصحية

علاقة الأطباء بالمرضى

الدكتور محمد قرقماز
ان العلاقة بشكل عام، ترتبط بالهدف والنتيجة المتوخاة؛ فمنها مادية ومنها معنوية، ومنها انسانية ومنها اخلاقية وغيرها . و بما ان مهنة الطب هي إنسانية بالدرجة الاولى، فلا بد ان تكون العلاقة بين الطبيب والمريض مبنية أساسا على البعد الانساني، لأنها تؤثر مباشرة  بنجاح العلاج، وحتى تخفيف الآثار السلبية للامراض المستعصية، ومنها تبرز ضرورة ادراك الاطباء ارادة ورغبات مرضاهم كلّ حسب حالته. 
تبدأ هذه العلاقة بحسن سماع رغبة المريض (patient preferences)  ومن ثم اشراكه بقرارات العلاج،  لأن النتائج عند الطبيب تختلف عنها عند المريض؛ فالطبيب يقارن بين حالة المريض الأولى (كيف كان) وكيف اصبح. في حين أن المريض لديه مقارنة مختلفة، تتلخص بماذا كان يتوقع من تطور، او كيف حصل العلاج مع جاره او قريبه او احد معارفه، وبالتالي فان هذا الاختلاف يؤدي الى فقدان الثقة بين الطرفين، وفساد العلاقة وتحولها الى علاقة مادية وتجارية والبحث عن بدائل، يؤدي كل ذلك إلى فقدانها لجوهرها الاساسي وهو البعد الإنساني.
لهذا، لا بد من الزملاء الأطباء التركيز على رغبات مرضاهم، ومعرفة ما يريدون، وقد أظهرت احدى الدراسات الامريكية ( مركز دارتموث لعلوم تقديم الرعاية الصحية الاولية ) في مدينة هانوفر ، إن هناك فارقاً كبيراً بين رغبه المريض وما يعتقد الطبيب ، وللمثال؛ ان 71%من الاطباء اعتقدوا ان الرغبة الاولى لمريضات سرطان الثدي هي الحفاظ على الثدي بينما الواقع هي 7% (جواب المريضات انفسهن على السؤال)، ومن الواضح ان بين 71% و 7 % فرق كبير وشاسع.
لهذا لا بد من الالتفات لهذا الامر والتركيز عليه واعتماده، والتأكد من ان العلاج يوافق رغبة المريض وذلك عبر اتباع عدة خطوات منها :
- اتباع الأساليب الطبية والعلمية. 
- استخدام الوسائل الدقيقة للوصول الى التشخيص الصحيح.
- اشراك المريض في كل المراحل السابقة.
وبالتالي العمل كفريق واحد، حيث لاحظ الباحثون ان اتباع هذا الاسلوب يؤدي الى خفض تكاليف العلاج، وارتفاع في جودة الأداء  والعمل والنتائج.

دراسة علمية
حضور الطبيب يريح المريض
يشهد الطبّ اليوم تطوراً تقنياً كبيراً، وتكثر الدراسات والبحوث العلمية بغية تطوير سبل التشخيص والعلاج. غير أن الدراسات العالمية تلحظ نقصاً في الدعم العاطفي للمريض، وفي التواصل الإنساني بين الأطباء والمرضى. وتسجل العلاقة بين الطبيب والمريض تغيرات عدة على المستوى الإنساني، إذ يستبدل مفهوم رعاية المريض والاعتناء به بإدارة المرض، ويستبدل فن الإصغاء إلى المريض بالأجهزة التكنولوجية، فيتحوّل المريض بالتالي، في بعض الحالات، إلى ملف إلكتروني على شاشة حاسوب.
يوجب هذا الواقع، وفق الدكتورة كارول تايلور من «كلية التمريض والدراسات الصحية في جامعة جورج تاون»، رفع الوعي في شأن النواحي الإنسانية في الطب وعدم إهمالها، خصوصاً أن دراسات عدة تبين أن التعاطف مع المريض والإصغاء إليه يساعدان على تحسن صحة المريض والشفاء. 
تنقل تايلور، خلال الندوة العلمية التي نظمها «برنامج سليم الحص للأخلاقيات الإحيائية والاحتراف»، في «المركز الطبي في الجامعة الأميركية» في بيروت، شهادات بعض المرضى الذين يحتاجون ربما في بعض الأحيان إلى التكلم مع الطبيب لخمس دقائق، أو إلى تعاطف الطبيب مع آلامهم والإصغاء إلى قصتهم، إلى أن يلامس الطبيب روحهم كما يفحص جسدهم وأمراضهم الفيزيولوجية.
يقترن الطب، وفق تايلور، بفضائل عدة لا يمكن الاستغناء عنها: الصدق، التواضع، التعاطف، الاحترام، العدالة، المساندة، الرأفة.. وغيرها. يقول الطبيب فلدشتاين إن «أهم ما يمكن أن أوفره للمريض هو أنا وكيف لحضوري أن يريح المريض ويشفيه». 
في المقابل، يطرح البعض تساؤلات في شأن إمكانية تعليم الأخلاق وقيم التعاطف والاحترام لطلاب كليات الطب، فهل يمكن تدريس القيم على غرار دراسة المواد البيولوجية والفيزيولوجية؟ وهل تتوافق الكفاءة العلمية مع القيم الأخلاقية؟ 
يتجه تعليم الطب، وفق الطبيب الليتواني برنارد لون، نحو اعتبار الأشخاص مجموعة من العوامل البيولوجية والكيميائية، أو من الأعضاء غير السليمة، فيستخدم الطبيب الأجهزة المعقدة ليسجل اكتشافات مثيرة. ويحتاج تعزيز القيم الأخلاقية عند التلامذة، وفق تايلور، إلى الاعتراف بأن التعاطف والمعاملة الحسنة مع المريض هما مهارة يجب تعليمها عبر برامج ومناهج دراسية. ويعتبر سلوك الأساتذة، خلال ممارسة المهنة، نموذجاً يحتذيه الطلاب، لذا من المهم أن يشكل الأساتذة قدوة للتلاميذ في ممارساتهم الأخلاقية مع المرضى. ولا تتعارض الكفاءة المهنية مع التعاطف والرأفة، خصوصاً أن ممارسة الطب لا ترتكز على «ماذا نفعل، بل على الطريقة التي تصبغ أفعالنا». ويذكر المتخصص في الأخلاقيات الطبية إدمون بليغرينو أن «مهنة الطب لا تنحصر بأن نكون متخصصين وكفؤوئين بل أن نستخدم مهاراتنا في خدمة حاجات المرضى».
لم يعد المريض، اليوم، في الأنظمة الصحية متلقياً فحسب بل أصبح له دور في اختيار العلاج ومتابعته، وفي طرح الأسئلة. وتشدد المعايير الأخلاقية الطبية على احترام قيم المريض وحاجاته وضعفه وحقوقه في الدعم العاطفي وتخفيف الخوف والقلق، وفي الحصول على المعلومات والتواصل مع الطبيب ومشاركة العائلة والأصدقاء. 
يواجه النظام الصحي في لبنان، وفق مديرة برنامج «سليم الحص للأخلاقيات الأحيائية والاحتراف» الدكتورة تاليا عراوي، التحديات عينها التي يواجهها الطب في العالم، خصوصاً أن إدراج مفاهيم الأخلاقيات الطبية ما زال حديثاً في لبنان. فيحتاج طلاب كليات الطب إلى مزيد من البرامج ومن ورش العمل لرفع الوعي في شأن المعايير الأخلاقية نحو طب أكثر إنسانية. 
يذكر البروفسور في «جامعة ستانفورد» ابراهام فرجهيس بأن «أهم إنجاز طبي في السنوات المقبلة هو قدرة اليد الإنسانية على توفير الراحة للمريض، وعلى التشخيص والعلاج». (المصدر جريدة السفير)

 
 

08:56  /  2015-12-16  /  4397 قراءة





إختبر معلوماتك