المدرسة ودورها في مكافحة المخدرات
عامر شاب في العشرين من عمره، في السنة الثانية من المرحلة الجامعية ، وقع ضحية المخدرات، بسبب أصدقاء السوء ، الذين صوروا له المخدرات كأنها الخلاص من معاناته ومشاكله ، وستكون الجنة بالنسبة له .
هكذا بدأت حكاية عامر ، فهو الشاب الذي توفي والده وهو في عمر السادسة عشر، وبسبب عدم قدرة الوالدة على إعالته مع إخوته الأربعة ، اضطرت الى وضعه في مدرسة داخلية في إحدى المؤسسات ، وهناك بدأ مشواره مع المخدرات ، فكانت البداية أن أدمن التدخين ، ومن ثم سوّل له احد رفاق السوء تجربة مادة تسمى فيما بينهم بلقب "اوريو" وهي الهيروين ، ومن بعدها "سوسو" وهو دواء السيمو ، وكرت السبحة حتى وصل الحال بعامر الى تجربة كل شيء ،كي يصل الى الشعور باللذة والفرفشة والانتعاش ... هذا الشعور الذي تحسسه في المرة الأولى والذي لن يعد إليه أبدا !.
الآن عامر شاب محبط يعيش في الفراغ ، ترك الجامعة بعد أن كان نسبياً من المتفوقين ، أصبحت تراه يفعل المستحيل، مقابل الحصول على جرعة ، تريحه من تلك الأوجاع اللئيمة التي بدأت تصيبه ، ويتمنى الموت للتخلص منها
حالة عامر هذه ، هي مثال لكثير من الشباب ، الذين وقعوا ضحية تلك الآفة اللعينة، والتي صورت لهم بالجنة .
نقف هنا لنلقي الضوء على مسؤوليتنا أمام أبنائنا ، خاصة في المدارس والتي تعتبر المكان الأفضل الى ترويج تلك المادة اللعينة فما هو هذا الدور ؟.
إن مشكلة إدمان المخدرات هي من أكبر وأهم المشكلات التي تواجه المدارس ، إلا أن هناك العديد ممن يتجاهلون حجم خطورتها التي تعصف بأطفالهم ومدارسهم ومجتمعاتهم.
فقد أظهرت الأبحاث والدراسات أن نسب تعاطي وإدمان المخدرات بين الأطفال، تزيد 10 مرات على ما يظنه الآباء في تقديراتهم ، بالإضافة إلى أن العديد من التلاميذ يعرفون أن آباءهم لا يدرون بمدى خطورة تعاطيهم المخدرات ، وهذا الأمر يقودهم إلى التمادي في التعاطي ، غير مهتمين بما سينالونه من عقاب.
كما إن تغافل مديرو المدارس وكذا المدرسون عن هؤلاء الطلاب الذين يتعاطون المخدرات، وكما يصرح أحد المدرسين قائلاً : أننا نفضل الاعتقاد بأن أولادنا بعيدون كل البعد عن تعاطي المخدرات!. بينما الحقائق تقول أنه ممكن أن يكون أفضل تلميذ والذي ينحدر من عائلة عريقة في المجتمع يعاني من مشكلة التعاطي وإدمان المخدرات.
حقائق تم التوصل إليها:
• أن تعاطي المخدرات ليس مقتصرا على فئة أو مجموعة بعينها من فئات المجتمع ، أو مرتبطا بمستوى اقتصادي معين، بل إنها مشكلة تؤثر وبشكل فعال في مجتمعاتنا ككل.
• أن تعاطي وإدمان المخدرات ليس مقتصرا على المدارس الثانوية فحسب ، بل في المدارس الإعدادية والابتدائية على السواء.
• بالرغم من اقتصار الاتجار في تلك السموم على البالغين، إلا أن الوسيط الذي يقوم بترويج المخدرات داخل المدارس قد يكون أحد تلاميذ المدرسة.
ولكي يتعرف الآباء والكادر التعليمي على هؤلاء الطلاب ، سواء كانوا متعاطين أو مروّجين ، يجب أن يكون لديهم الحدة الأدنى من الخبرة للتعرف على أبعاد المشكلة وطرق مواجهتها من خلال:
أولاً : العلامات الدالة على تعاطي وإدمان المخدرات:
من الممكن اعتبار التغير الذي يطرأ على أنماط السلوك والمظهر والأداء ، مؤشراً على تعاطي المخدرات، ولهذا السبب يلزم على الكادر التعليمي والأهل ملاحظة تلك التغيرات التي قد تطرأ على سلوك الصغار منها :
1. علامات تعاطي وحيازة المخدرات
• امتلاك وحيازة أشياء مرتبطة بالتعاطي كـ الغليون (البايب)، ورق اللف ، زجاجات الأدوية المضادة للاحتقان ، الثقاب ، الولاعة.
• حيازة أو دليل حيازة المخدرات: نباتات غريبة الشكل، أعقاب السجائر، الحبوب، إخفاء بعض أوراق النباتات في جيوب الملابس.
• رائحة المخدرات: شم رائحة كرائحة البخور أو بعض الروائح الأخرى.
1. الاندماج في وسط المخدرات :
• الاهتمام بالمجلات المختصة بالمخدرات والشعارات التي تكتب على الملابس.
• الأحاديث والنكات المنصبة على موضوع المخدرات.
• العداء في الحديث عن ضرر المخدرات.
2. أشكال التدهور الجسدي الناجم عن تعاطي المخدرات :
• يشمل ذلك ظهور هفوات الذاكرة " النسيان"، ضعف الذاكرة للأحداث القريبة، صعوبة في عملية التذكر . وهذه علامات لم تكن موجودة مسبقاً .
• ضعف ووهن في الجسم ، التهتهة في الكلام و" عدم ترابط الحديث" .
• تعب وفتور وخمول وعدم الاهتمام بالصحة.
• احمرار العين مع اتساع حدقة العين.
3. التغيرات الطارئة على الأداء داخل الصف:
• ملاحظة تدهور ملحوظ في مستوى كفاءة الطالب ليس فقط في هبوط مستواه العملي بل عدم إكمال الواجبات ونقص في التقييم العام.
• كثرة التغيب من المدرسة أو التأخر عن الحضور.
4. التغيرات السلوكية:
• عدم الأمانة وتشمل: الكذب، السرقة، الخداع.
• تغير الأصحاب ، المراوغة في الحديث عن الأصدقاء الجدد.
• حيازة مبالغ طائلة من المال.
• غضب شديد وغير مبرر ، ارتفاع درجة العدوانية، والقلق وكذا الكتمان.
• انخفاض معدل النشاط والهمة ، القدرة ، ضبط النفس ، تقدير الذات.
• الإقلال من الاهتمام بالأنشطة والهوايات.
ثانياً : التعرف على تعاطي وإدمان المخدرات
في حال ملاحظة أعراض ظهور وتعاطي المخدرات تعامل معها بشكل عاجل .لذا على الأهل والكادر التعليمي عند ملاحظتهم للعلامات المبكرة لتعاطي وإدمان الطلاب يجب عليهم مواجهة تلك المشكلة بأساليب التالية:
• معرفة حجم مشكلة تعاطي وإدمان المخدرات في مجتمعاتهم وداخل مدارس أولادهم.
• قدرتهم على معرفة العلامات الدالة على إدمان المخدرات.
• المقابلة والاجتماع بآباء وأمهات أصدقاء وزملاء أبنائهم بالمدرسة وإجراء الحوارات عن حجم مشكلة الإدمان داخل المدرسة.
• إقامة وسائل يسهل معها تبادل المعلومات حول المخدرات وخطرها وذلك لتحديد أي فئة من الأطفال يتعاطون المخدرات ومن الذي يقوم بإعطائهم إياها.
• يجب على الآباء الذين يشكون في أن أولادهم يتعاطون المخدرات ، أن يتعاملوا مع المشكلة بدون اللجوء إلى التعصب والحنق والشعور بالذنب .
• بعض الآباء يتغافلون عن التأكد من صحة ظنهم وادعائهم في تعاطي الأولاد المخدرات، بل ويؤجلوا مسألة مواجهة أولادهم بذلك.
• أن عملية اكتشاف ومحاولة معالجة مشكلة التعاطي في مراحلها الأولى يوفر الصعوبة التي تحدث في عملية التغلب عليها.
ويجب على الآباء حيال شكوكهم في كون أولادهم يتعاطون المخدرات أن يسلكوا المنهج التالي:
• وضع خطة عمل والتشاور مع المسئولين داخل المدرسة وآباء الطلاب الآخرين .
• بحث الشكوك في جو هادئ ، وإتباع أسلوب موضوعي منطقي ، وعدم مواجهة الابن أثناء وقوعه تحت تأثير المخدر.
• فرض إجراءات نظامية تساعد على إبعاد الابن عن تلك الظروف التي يسهل فيها تعاطي المخدرات.
• البحث عن وسائل للمساعدة والعلاج مع المختصين عن علاج تعاطي وإدمان المخدرات.
ثالثاً: مدارس بدون مخدرات
• ما الذي يجب القيام به حيال تلك المشكلة؟
وضع خطة يكون هدفها : جعل المدارس خالية من ظاهرة تعاطي المخدرات . ويشمل ذلك الالتزام من قبل كل فرد كلاً فيما يخصه.
أولا :دور الآباء:
1. يشمل دور الآباء تعليم معايير الصح والخطأ مع عملية توضيح تلك المعايير عن طريق استخدام أمثال شخصية (أهمية دور القدوة وأن يكون الآباء خير قدوة لأبنائهم).
2. مساعدة الأبناء في المقاومة والتصدي للضغوط التي يمليها عليهم أصدقاؤهم "أصدقاء السوء" لتعاطي المخدرات ، ويتم ذلك من خلال ملاحظة أنشطتهم ، ومعرفة من هم أصدقاؤهم والحديث معهم عن اهتماماتهم وطرق حل مشاكلهم.
3. معرفة كل شئ عن المخدرات وعلامات الإدمان.
ثانيا :دور المدارس:
4. تحديد درجة ومدى تعاطي المخدرات، والى أي مدى هو ؟ مع إيجاد وسائل المراقبة واستخدامها بشكل منتظم.
5. وضع قوانين واضحة ومحددة تتعلق بمسألة تعاطي المخدرات على أن تتضمن تلك القوانين تدابير قوية لحل الأزمة.
6. وضع سياسات حازمة ضد التعاطي ، وتتسم تلك السياسات بالعدالة والانتظام ، مع تنفيذ وتطبيق إجراءات أمنية للقضاء على تعاطي المخدرات داخل أسوار المدرسة.
7. تنفيذ منهج شامل متكامل للوقاية من إدمان المخدرات ، من بداية مرحلة رياض الأطفال حتى نهاية الدراسة الثانوية ، هدفها التعريف بأن الإدمان وتعاطي المخدرات يعتبر شيئا خطأ وضارا للغاية ، مع القيام بدعم ومساندة برامج الوقاية ضد المخدرات.
8. الوصول بالمجتمع للمساعدة في تحقيق السياسة المضادة للتعاطي داخل المدارس ، مع وضع برنامج عمل لذلك ، مع أهمية تطوير وتنمية العمل الجماعي ، والتي من خلاله تقوم كلّ من المدرسة ، والجمعيات الأهلية التطوعية ومجالس الآباء ، ورجال القانون ، والمنظمات العلاجية بالعمل معاً لتقديم المصادر اللازمة للقضاء على تلك الظاهرة.
9. الاستفادة من التعاليم الدينية التي تؤكد حرمة تعاطي المخدرات .
• دور التلاميذ داخل المدرسة :
1. على التلاميذ معرفة الآثار الناجمة عن تعاطي المخدرات، وكون المخدرات مواد ضارة وإيجاد السبل لمقاومتها.
2. استغلال الخطر الناجم عن أزمة التعاطي ،كمثل للاستفادة منه في مساعدة الطلبة الآخرين، في اجتناب إدمان هذه الأنواع من المخدرات ، مع تشجيع التلاميذ الآخرين لمقاومة الوقوع في براثن الإدمان ،وإقناع المتعاطين للمخدرات بضرورة الجد في طلب المعونة ، والإبلاغ عن المدمنين الذين يبيعون المخدرات للطلبة وذلك للمسؤولين عن المدرسة أو لأولياء الأمور.